تشهد الساحة السياسية الألمانية تغيرات جذرية مع سقوط تحالف "إشارة المرور" الذي جمع الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الخضر (Die Grünen) والحزب الديمقراطي الحر (FDP)
جاء انهيار التحالف نتيجة عدم مرونة الأحزاب الثلاثة في التعامل مع المتغيرات السياسية والاقتصادية، مما أدى إلى انسداد الأفق أمام تنفيذ سياسات فعالة تلائم الواقع الألماني الحالي. وقد واجه التحالف صعوبات في التوفيق بين التوجهات اليسارية لحزبي SPD والخضر وبين السياسات الاقتصادية الليبرالية للحزب الديمقراطي الحر، الأمر الذي جعل إدارة الأوضاع الداخلية أكثر تعقيدًا ووضع الدولة الاتحادية في مأزق اقتصادي كبير خلال السنوات الماضية.
تصاعد دور اليمين
في ظل سقوط هذا التحالف، صعد الدور اليميني إلى الواجهة، حيث بات التنافس الأساسي في استطلاعات الرأي بين اليمين المعتدل المتمثل في الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) واليمين المتطرف الذي يمثله حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) واستطاع الأخير أن يحصد ما يقارب 20% من التأييد الشعبي وفقًا لأحدث استطلاعات الرأي، ما يعكس تزايد النزعة القومية والشعبوية داخل المشهد السياسي الألماني.
خطر اليمين المتطرف
يشكل صعود AfD تهديدًا لمستقبل ألمانيا وعلاقاتها الأوروبية والدولية، خصوصًا أن الحزب يتهم بأنه يحمل أفكارًا قريبة من الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة ويُتهم بتبني أفكار قومية متشددة، حيث يروج لحماية الثقافة واللغة الألمانية بطريقة تثير الجدل. كما أنه يتبنى سياسة صارمة تجاه الهجرة واللجوء، إذ يُعدّ من أبرز المناهضين لفتح الحدود أمام المهاجرين واللاجئين، متذرعًا بالحفاظ على الهوية الوطنية وحماية الأمن القومي.
أما فيما يتعلق بالمساعدات لأوكرانيا، فإن الحزب يعارض بشدة تقديم الأموال والمساعدات العسكرية لكييف، معتبرًا أن ألمانيا يجب أن تنأى بنفسها عن النزاع الروسي الأوكراني. وعلى عكس الأحزاب التقليدية التي ترى في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهديدًا، فإن AfD لا يعتبر روسيا عدوًا مباشراً لألمانيا.
مناهضة للاتحاد الأوروبي
يرفع حزب البديل من أجل ألمانيا شعارات مناهضة للمساهمات المالية التي تقدمها ألمانيا للاتحاد الأوروبي ولدول الجوار، حيث تصدرت بعض الأصوات داخل الحزب دعوات للخروج من الاتحاد الأوروبي بحجة أن بقاء ألمانيا فيه يحد من سيادتها ويفتح أبوابها لدول الجوار اقتصاديًا وسياسيًا.
تأثير تجاه الشرق الأوسط
وصول اليمين المتطرف إلى الحكم قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في سياسات ألمانيا تجاه دول الجوار غير الأوروبية، وخصوصًا دول الشرق الأوسط. من المتوقع أن تنتهج الحكومة اليمينية سياسات أكثر تحفظًا فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، مما قد يؤثر على برامج الدعم والمساعدات الإنسانية التي تقدمها ألمانيا لدول مثل لبنان وسوريا. كما قد تتجه الحكومة الجديدة إلى تقليل التزاماتها تجاه قضايا اللاجئين من المنطقة، مما قد يزيد من التحديات التي تواجهها الدول المستقبلة للاجئين. إضافة إلى ذلك، من الممكن أن تتخذ ألمانيا موقفًا أكثر حذرًا في سياساتها الخارجية تجاه النزاعات في الشرق الأوسط، خصوصًا أن الإتحاد الأوروبي يعول بشكل كبير على مقاربة ألمانيا تجاه الإدارة السورية ورفع العقوبات عنها كما الدعم الأوروبي للبنان الذي يحاول كثب ثقة المجتمع الدولي للخروج من أزمته الاقتصادية والمالية.
تحديات الواقع السياسي
يعتمد اليمين المتطرف على سياسة شعبوية في طرح برامجه، حيث يسعى إلى استقطاب الناخبين عبر خطاب يعكس استياءهم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. لكن في حال نجاح AfD في دخول الحكومة، فإن تطبيق هذه السياسات قد يكون أكثر تعقيدًا مما يروج له الحزب، خاصة إذا اضطر للتحالف مع CDU لتشكيل الحكومة. في هذا السياق، قد يجد اليمين المتطرف نفسه مضطرًا إلى التراجع عن بعض مواقفه الأكثر تشددًا والتكيف مع الواقع السياسي والاقتصادي داخل ألمانيا وخارجها.
مع اقتراب موعد الانتخابات، يبدو أن ألمانيا تواجه معركة سياسية حاسمة بين القوى التقليدية والتيارات اليمينية الصاعدة. وإذا استمر صعود AfD، فقد تتغير معادلات السياسة الداخلية والخارجية لألمانيا، مما يجعل الانتخابات القادمة نقطة تحول في مستقبل البلاد وعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي والعالم.